اغتيال بوتو.. من المستفيد؟

اغتيال بوتو.. من المستفيد؟

القاهرة / عمرو محمد 18/12/1428
27/12/2007

حالة الغليان التي تعشيها باكستان, منذ عدة شهور عقب أحداث الجامع الأحمر, ليست وليدة اللحظة لكنها ترجع إلى سنوات عدة, منذ اشتراك باكستان في الحرب على ما يسمى "الإرهاب", وتحالفها مع أمريكا في الحرب على حركة طالبان، ونجاحهما في إسقاط هذه الحركة. ومنذ هذه الحالة, وباكستان تشهد أحداثًا متتالية من العنف, كثيرة ما طالت رأس الدولة برويز مشرف, فضلاً عن تنوع هذه الهجمات, ودخولها شكلاً جديدًا, أبرزها التفجيرات الانتحارية.
هذه التفجيرات- العشوائية تارة والمخطط لها تارة أخرى- أصابت أهدافها أخيرًا, ولكن ليس مشرف, أو أيًّا من حكومته, ولكنها أصابت زعيمة حزب الشعب المعارض, بي نظير بوتو, لتودي بحياتها, عقب مهرجان انتخابي لها في مدينة روالبندي, لتلاقي نفس مصير والدها الذي اغتيل أيضًا, ومن بعده أخويها, لتصبح الرابعة في أسرتها, التي تدفع حياتها, جراء ما يراه مراقبون من دكتاتورية وانتهازية في البلاد, والدخول في حروب ليست في مصلحة باكستان.
حادثة اغتيال بوتو, تفتح الحديث مجددًا عن مستقبل الحياة السياسية في باكستان, فضلاً عن الحديث عن المستفيد من اغتيالها, خاصة مع ظهور إشكالية تحالفها مع مشرف في القضاء على "الإرهاب", واعتبارها تتخذ منحى أقوى من مشرف في الحرب على ما يسمى الإرهاب, وبين تحالفها مع الرئيس الباكستاني نفسه, والذي على أثره عادت بوتو إلى باكستان, بعد قضاءها 9 سنوات في المنفى الاختياري لها.
ويرى المراقبون أن بوتو عادت إلى باكستان, رغمًا عن مشرف ذاته؛ نتيجة لرغبة أمريكية في أن تتقاسم مع مشرف السلطة, في ظل حالة الاضطرابات الأمنية والسياسية, التي ظلت تشهدها البلاد, ما أسفر عن فرض حالة الطوارئ في عموم باكستان, ثم رفعها, فضلاً عن حالة الاحتقان التي تشهدها البلاد من وقت لآخر.
ويرى آخرون أن الساحة السياسية أصبحت مفتوحة على مصراعيها أمام رئيس الوزراء السابق "نواز شريف" الذي يتزعم حزب الرابطة الإسلامية, أكثر من أي وقت مضى لزعامة المعارضة في البلاد, إلا أنهم لا يعتبرون ذلك رغبة من أعضاء الحزب في التصفية الجسدية, وأن الخصومة السياسية, لا يمكن لها بحال أن تكون سببًا في التصفية الجسدية للمعارضين.
ومن هنا يذهب محللون إلى أن الباب الذي فتحه مشرف للأمريكيين, إثر مشاركته في حرب لا طائل لبلاده من ورائها، يمكن أن يكون سببًا في حالة الاحتقان السياسي في البلاد, ومعها الفراغ الأمني.
ويفسر المحللون ذلك, بأنه في إطار الرغبة الأمريكية, في إثارة الأوضاع والقلاقل, ليس في باكستان وحدها, ولكن في منطقة الشرق الأوسط بأكملها, على نحو ما يعرف بالفوضى الخلاقة التي تحدثت عنها "كوندوليزا رايس", وزيرة الخارجية الأمريكية, يمكن أن يكون سببًا في إثارة حالة الفراغ السياسي والأمني, والذي أصبح سائدًا في عموم باكستان, والتي دفعت بوتو حياتها ثمنًا له.
وما بين هذه الفوضى الأمنية والفراغ السياسي, جاء اغتيال بوتو, والذي لا يعتبره كثيرون عملية عبثية, وإنما نجاح لخصوم سياسيين, على نحوٍ يمنحه محللون درجة الامتياز, مع إدانتهم لها.
الرئيس مشرف ذاته, يحمله المراقبون مسئولية مباشرة في عملية الفوضى الأمنية والفراغ السياسي, جراء سياسته الديكتاتورية, كما يصفها معارضوه, الأمر الذي حدَا به إلى توقيف العديد من معارضيه, فضلاً عن إطلاقه لحالة الطوارئ في باكستان, وموقفه المضاد من المحكمة الدستورية في البلاد, والتي تعتبر أعلى سلطة قضائية فيها.
اغتيال بوتو, وإن كان مرتكبوه قد حققوا أهدافهم السياسية, يبدو في الوقت ذاته مؤشرًا لفتح حالة من الاضطرابات الأمنية في باكستان, والتي أسفرت عن اندلاع حالات من عمليات التخريب والانفجارات في المدن الباكستانية, وهو ما دفع مشرف إلى دعوته لمواطنيه, عقب اغتيال بوتو, إلى التزام الهدوء لتحقيق الأمن, ولكنه يبدو أنه "الأمن المفقود".
ويرى بعض المحللين أن بوتو كانت الحليف الطبيعي للجيش في وجه القوى الإسلامية المنتشرة في باكستان, إلا أن البعض الآخر يرى أن مفاوضاتها مع القيادة العسكرية كانت بمثابة خيانة للقوى الديمقراطية؛ لأن هذه المفاوضات قد عزّزت قبضة جماعة مشرف على الحكم.
كما رأت الدول الغربية فيها الشخصية الشعبية ذات التوجهات الليبرالية التي كان بإمكانها إضفاء الشرعية على حكم مشرف الذي يخوض ما وصفته "الحرب ضد الإرهاب".
ويقول مراقبون: إن النظام العسكري الذي يحكم باكستان كان يرى في بوتو حليفًا طبيعيًا في محاولاته لعزل القوى الإسلامية, غير أنها كانت قد اعتذرت عن قبول عرض من الحكومة بترؤس حزبها حكومة الوحدة الوطنية بعد انتخابات عام 2002، والتي حصل الحزب فيها على أغلبية الأصوات.
ويبدو أن بوتو, ومنذ أن قررت العودة من منفاها الاختياري, قد رغبت في أن تكون عودتها على أشلاء مؤيديها, عندما وقع انفجار ضخم, عقب وصولها البلاد في 18 أكتوبر الماضي, أسفر عن مقتل قرابة 20 شخصًا, إلا أنه لم يمرّ سوى شهرين, أو أكثر قليلاً, لتكون هي ذاتها, ضحية عودتها, أو إعادتها إلى باكستان, وفق فرضية بعض المحللين الباكستانيين بأن عودتها كانت برغبة أمريكية, لتخفيف حالة الغضب الشعبي على مشرف, خاصة, بعد سخونة الوضع في القبائل, وأحداث الجامع الأحمر, وتصاعد حالة الجدل والاحتقان السياسيين في البلاد من ناحية أخرى.
وأيًّا كان المستفيد من اغتيال بوتو, فإن الأوضاع في باكستان, يمكن أن تفتح ملفات عدة في البلاد, والتي تعتبر سابع أكبر دولة في العالم من حيث أعداد السكان, ومن بين هذه الملفات, مستقبل الوجود الأمريكي في باكستان, وفرص نواز شريف, في قيادة الحياة الحزبية, وزعامته لها, فضلاً عن تداعيات هذه الأوضاع وانعكاساتها على الشأن الأفغاني, أمام التصعيد العسكري لحركة طالبان, في مواجهة قوى الاحتلال, وبجانب ذلك كله, مستقبل الحياة السياسية في باكستان, والتحولات التي يمكن أن تتبع عملية اغتيال بوتو.
وحسب السيرة الذاتية لبوتو, 54 عامًا, فقد اتهمت وزوجها بسرقة أموال الشعب, بعد خروجها من منصبها كأول رئيسة وزراء في العالم الإسلامي, لتختار منفى اختياريًّا لها, هو الإمارات, لتتنقل بينها وبين بريطانيا, تفاديًا لملاحقة اعتقالها, أو اتهامها بتهم الفساد, وتبديد أموال الشعب.
تولت بوتو رئاسة وزراء باكستان مرتين, وشغلت زعامة حزب الشعب مرتين, وتعرضت لمحاولة اغتيال مرتين أيضًا, الأولى كانت فاشلة , والثانية, دفعت حياتها.
كما كانت الشخصية الأبرز, والمرشحة لخلافة مشرف, إلا أنه مع غيابها, يبدو أن البلاد قد دخلت إلى مستقبل غامض, وهو ما يتوقع له المراقبون أن تدخل معه باكستان مجالاً من الانزلاقات الأمنية, وحمل السلاح العشوائي, وهو ما قد يوصلها إلى العنف والعنف المضاد.
بوتو, كانت الوحيدة من أفراد أسرتها, الباقية على قيد الحياة من أبناء ذو الفقار على بوتو, انحدرت بوتو من عائلة سياسية شهيرة في باكستان، كانت مماثلة لعائلة "نهرو غاندي" في جارتها وغريمتها الهند, احتلّ والدها منصب رئيس وزراء باكستان في أوائل السبعينات، ولدت بي نظير بوتو في إقليم السند عام 1953، وتلقت تعليمها في جامعتي أكسفورد ببريطانيا وهارفارد بالولايات المتحدة، واستمدت خبرتها سياسية من تراث والدها.
شغلت بوتو منصب رئيسة وزراء باكستان مرتين، ما بين عامي 1988 و1990، و ما بين عامي 1993و1996, وفي الحالتين أقالها رئيس البلاد من منصبها بعد اتهامها بالفساد, والإقالتان مجرد مرحلتين في حياة بوتو السياسية التي اجتاحتها العديد من حالات المد والجزر.
وقد أثار زوجها آصف زرداري الكثير من الجدل خلال فترتي حكم زوجته, وكان له دور رئيسي أثناء حكم بي نظير بوتو، واتهمته حكومات باكستانية عديدة باختلاس ملايين الدولارات من الدولة، وهي تهم أنكرها وأنكرتها معه زوجته.
واصلت بوتو في المنفى نشاطها السياسي, وأنكرت بوتو بشدة الاتهامات الموجهة ضدها قائلة: إن دوافعها سياسية, وواجهت بوتو- حتى العفو عنها في شهر أكتوبر إثر صفقة مع مشرف- خمس اتهامات على الأقل بالفساد، لم تُدَن في أي منها.
أدينت في العام 1999 بعدم المثول أمام المحكمة، إلا أن المحكمة العليا في باكستان نقضت هذا الحكم, وظهرت بعيد إدانتها شرائط تسجيل عن محادثات بين قاض وعدد من كبار مساعدي رئيس الوزراء حينها "نواز شريف", تُبيِّن أن القاضي تعرّض لضغوط لإصدار حكم الإدانة.
غادرت بوتو باكستان في نفس العام- بعد إدانتها بوقت قصير- لتقيم في الخارج مع أولادها الثلاثة، فيما كان زوجها في السجن, وظلّت تلاحقها- حتى في الخارج- التساؤلات حول ثروتها وثروة زوجها.
أقامت بوتو مع أولادها الثلاثة, بعد خروجهم من باكستان, في دبي، حيث انضمّ إليها زوجها بعد الإفراج عنه عام 2004, وكانت دائمة التردد على العواصم الغربية، لإلقاء محاضرات في جامعات ومؤسسات فكرية وللقاء مسئولين حكوميين.
وقبل عودتها الأخيرة إلى باكستان استقرّت في العاصمة البريطانية لندن؛ حيث أجرت هناك عدة جولات من المفاوضات مع الحكومة الباكستانية بزعامة برويز مشرف, حتى عادت إلى باكستان, لتكون تلك هي العودة الأخيرة لها.

» مقتل نظير بوتو
» مصرع بوتو الإسماعيلية BY ENGLISH