علاقة الفن الاسلامى بفن الزجاج المعشق

تحتل فنون المشربية والقمرية (نوافذ الزجاج المعشق بالجص) مكان الصدارة في الفنون الحرفية، لارتباطها بالعمارة منذ بداية الحضارة الإسلامية في مصر، بل قبل ذلك، منذ العصر القبطي، حيث تواجدت أديرة وكنائس يعود بعضها إلى ما قبل الإسلام والآخر إلى العصور الفاطمية والمملوكية، وبها حجب ونوافذ باقية حتى اليوم من وحدات الزخارف الخشبية المخروطة أو المفرغة بالخشب، أو من الزجاج المؤلف بالجص.

وبالرغم من اختلاف العقيدة من المسيحية إلى الإسلام فقد احتفظت فنوننا بطابع فريد بمثل الروح المصرية الأصيلة بقيمها ومناخها وتكوينها الروحي محققة الوظائف النفعية والاجتماعية، سواء كانت شرفات المنابر في المساجد، أو حجبا لفصل مصلى الرجال عن مصلى النساء بواسطة المشربيات، وتصفية الضوء بمصفاة ملونة لإضفاء الرهبة والخشوع عن طريق النوافذ العلوية بالزجاج المعشق بالجص، أو كانت في القصور والبيوت، للعمل على انكسار الضوء وتهدئته، بما يسمح بنفاذه ولا يسمح به في آن واحد، وللعمل كذلك على انكسار الحرارة واتاحة الفرصة لتيار هوائي متجدد أن يعمل على ترطيب المكان، وكذا على منع الأتربة والرمال، بواسطة النوافذ الملونة، مع إضفاء جو شاعري من خلال الضوء الملون المتسرب من تلك النوافذ الجصية.

وفوق تلك الوظائف النفعية الوظيفة الاجتماعية، بتحقيق الخصوصية لاجنحة المنزل وقاعاته، خاصة أجنحة الحريم، مع إتاحة الفرصة لهن لرؤية الشارع عبر شرفات ونوافذ أجنحتهن، دون أن يراهن أحد من المارة، ويتيح هذا الحل – في الوقت ذاته – الفرصة لتبريد الأباريق والأواني الفخارية – في صينية القلل – لدى وضعها أمام تيار الهواء إذ يتخلل ثقوب الستار الخشبي، الذي صمم على شكل منحنى بارز عن سطح الشرفة أو النافذة، ولعل ذلك كان وراء تسمية هذه الشرفات باسم المشربية، كناية عن مكان الشرب، وقد اتسع هذا المكان. مع الزمن. ليصبح مجلسا لتناول القهوة وغيرها من المشروبات، بمعزل عن العيون المتطفلة الغريبة. مع إمتاع النظر بكل ما يدور في الخارج.

وقد اتسعت أغراض فن الخرط العربي، فلم تقتصر على المنابر والحجب والشرفات والأبواب، بل شملت أنماط الأثاث، من مقاعد وأرائك ومناضد وخزائن وسواتر متحركة (براڤانات)، واقتضى ذلك ارتفاع مستوى الدقة والرهافة كالمنمنمات، وتداخلت تقنية الخرط العربي مع تقنيات أخرى، مثل التطعيم بالصدف وسن الفيل والفضة، والحشوات الخشبية الدقيقة، كما اتسعت أغراض الزجاج المعشق بالجص لتدخل الحمامات في القصور والمنازل، كنوافذ ملونة أو كاسقف لأجنحة الحمام، من خلال تشكيلات هندسية بديعة، تضفي على الحمام جوا شاعريا ساحرا خاصة إذا امتزج بسحب البخار.

ويعتبر العصر الفاطمي أول من احتضن فنون الخرط والزجاج المعشق وغيرها من الفنون الإسلامية لكن العصر المملوكي يعد أعظم عصور إزدهارها، حيث كانت هناك منافسة مستمرة بين السلاطين والأمراء في الانفاق على بناء المساجد والقصور والمدارس والفنادق والمستشفيات والوكالات تعبيرًا عن القوة والزهور.

ومع بداية الحكم العثماني لمصر عام 1516م، تم نقل أفضل الصناع المهرة في الحرف التقليدية، إلى اسطمبول لإقامة المنشآت في الدولة العثمانية المنتصرة، وما زالت آثارهم باقية هناك شاهدة على عملية الاخصاب الحضاري لمصر خارجها. أما داخلها فقد تدهورت عشرات الحرف بعد نقل أصحابها، ويحدثنا المؤرخون بأن 50 حرفة فنية قد انهارت بعد ذلك الحادث الجلل.

لكن سرعان ما استعادت مصر قدرتها على الانجاب الحضاري وعلى تجاوز المحن، فنشأت أجيال جديدة عملت على ملئ فراغ آبائهم، لكنهم لم يحظوا بنفس التقدير والرعاية من الحكام الجدد، يوازي ما كانوا يحصلون عليه من المماليك. وحدث تحول تدريجي في الذوق الفني نحو النموذج التركي، وهو ما يمكن مقابتله بعصر "الباروك" أو "الركوكو" في أوروبا، بما فيهما من شغف بالمظاهر الخارجية، ومغالات في ستخدام التفاصيل الزخرفية، مع ضعف روح العظمة والشموخ في العمارة.

ويقودنا ذلك إلى الحديث عن جهود مصر المعاصرة في الحفاظ على حرفتي المشربية والنوافذ الجصية من التدهور والانقراض، بعد اضمحلال العمارة الإسلامية التي كانت الوعاء الذي يحتويهما على مر التاريخ.. فقد كانت هناك محاولات متفرقة على امتداد القرن الحالي لمجابهة هذا الوضع، أولها انشاء مدرسة الفنون والصناعات الزخرفية بحي الحمزاوي بالأزهر أوائل القرن ومدرسة الفنون التطبيقية العليا أواخر العشرينات ثم كانت تجربة وزارة الثقافة أوائل الستينات بتخصيص مبنى وكالة الغوري بالأزهر ليكون مقرا لمركز الحرف التقليدية، ولإقامة مجموعة من الورش للحرفيين في مجالات الخرط العربي والنوافذ الجصية والتطعيم وغيرها، بهدف الحفاظ على هذه الحرف من الانقراض واستمرار مسيرة أجيال الحرفيين فيها.

مــــــــــــــوضوع رائع ماشاء الله عليك

بارك الله فيك يا اخى و بانتظار مواضيعك و جزاكم الله خيرا على الرد

» نبذه عن الزجاج المعشق
» فن العزف على النار سيمفونيات من الزجاج

علاقة الفن الاسلامى بفن الزجاج المعشق

علاقة الفن الاسلامى بفن الزجاج المعشق :: تعاليق

علاقة الفن الاسلامى بفن الزجاج المعشق

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة